الشخصية التى نتعرف عليها هنا نموذج فذ للشخصية الإسلامية المتكاملة ، فهو السنى السلفى الصوفى ، وهو الإمام العلم الفقيه الحافظ الغازى شيخ الاسلام الزاهد ، وهو السخي الجواد ، أليف القرآن والحج والجهاد ، فعله مبارك وقوله مبارك ، إنه " عبد الله بن المبارك" رضي الله تعالى عنه.
لم يكن ابن المبارك راويا للحديث فقط بل كان عالما مجاهدا وتاجرا ، عاش حياته يغزو مع جيوش المسلمين عاما ، ويقود قوافل الحجاج من فقراء المسلمين على نفقته عاما آخر!!.
ولد سنة 118 هـ ، وبدأ فى طلب العلم وهو ابن عشرين سنة ، ومات سنة 181 هـ وله ثلاث وستون سنة.
و يعتبر ابن المبارك فى الطبقة الأولى من تابعى التابعين فقد لقى الكثير من التابعين منهم سفيان الثوري ، وشعبة بن الحجاج ، وابن لهيعة ، والليث بن سعد ، والإمام مالك ، وإبراهيم بن أدهم ، وأقرانهم من شيوخ خراسان والعراق والحجاز ومصر ، وروى ما يقرب من عشرين ألف حديث ، وجميع أئمة الحديث الستة متفقون على صحة مايروى من أحاديث حتى قالوا :
"ابن المبارك في المحدثين مثل أمير المؤمنين في الناس" .
مولده
كان أبوه ورعا تقيا ، وكان عبدا تركيا لرجل تاجر من همذان. ويحكى عن أبيه أنه كان يعمل في بستان لمولاه وأقام فيه زمانا ، ثم إن مولاه جاءه يوما وقال له : أريد رمانا حلوا فمضى إلى بعض الشجر وأحضر منها رمانا فكسره فوجده حامضا فحرد عليه وقال : أطلبُ الحلوَ فتحضر ليَ الحامض ؟ هات حلوا. فمضى وقطع من شجرة أخرى فلما كسره وجده أيضا حامضا ، فاشتد حرده عليه فقال له بعد الثالثة : أنت ما تعرف الحلو من الحامض فى هذا البستان؟. فقال : لا. فقال: كيف ذلك ؟ فقال: لأنني ما أكلت منه شيئا حتى أعرفه. فقال: ولم لم تاكل؟ قال: لأنك ما أذنت لي. فكشف عن ذلك فوجد قوله حقا ، فعظم في عينه وزوجه ابنته . وعبد الله هو ابن تلك الابنة ، وبالتالى فقد نمت عليه بركة أبيه. وهى مصداق لقوله تعالى :
"وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا
".
بذله و سخاؤه
وكان عبدالله بن المبارك غنيا شاكرا ، كانت له تجارة واسعة وكان ينفق على الفقراء في السنة مئة ألف درهم ، فكان الانفاق على الفقراء هو هدفه الأساسى من التجارة.
قالوا لابن المبارك : أنت تأمرنا بالزهد والتقلل والبلغة ونراك تأتي بالبضائع ، فكيف ذا؟ قال : أفعل هذا لأصون وجهي ، وأكرم عرضي ، وأستعين به على طاعة ربي.
قال عنه بعض أصحابه :
ما على وجه الأرض مثل ابن المبارك ، ولا أعلم أن الله خلق خصلة من خصال الخير إلا وقد جعلها في عبدالله بن المبارك ،
ولقد صحبناه من مصر إلى مكة فكان يطعمنا الخبيص والفالوذج ويحمل معه بعيرين محملين دجاجا مشويا وهو الدهر صائم !! .
وجاء رجل الى ابن المبارك فسأله أن يقضي دينا عليه فكتب له كتابا الى وكيل له. فلما ورد عليه الكتاب قال له الوكيل : كم الدين الذي سألته قضاءه؟ قال: سبع مئة درهم. وإذا عبدالله قد كتب له أن يعطيه سبعة آلاف درهم!! فراجعه الوكيل وقال : إن هناك خطأ فى الكتاب ثم إن الغلات قد فنيت. فكتب إليه عبدالله :
"إن كانت الغلات قد فنيت فإن العمر أيضا قد فني ، فأجز له ما سبق به قلمي
".
المفضلات